الثلاثاء، 3 أبريل 2012

أول من سل سيفاً في الإسلام

إنه الزبير بن العوّام حواريّ رسول لله

لقد كان فارسا ومقداما منذ صباه. حتى ان المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شھر في الاسلام كان سيف
الزبير.
ففي الأيام الأولى للاسلام، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم.. سرت اشاعة ذات يوم أن
الرسول قتل.. فما كان من الزبير الا أن استلّ سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة، على حداثة سنه
كالاعصار..!
ذھب أولا يتبيّن الخبر، معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه في رقاب قريش كلھا حتى يظفربھم أو
يظفروا به..
وفي أعلى مكة لقيه رسول لله صلى لله عليه وسلم، فسأله ماذا به....؟ فأنھى اليه الزبير النبأ.. فصلى
عليه الرسول، ودعا له بالخير، ولسيفه بالغلب.

أسلم الزبير، اسلاما مبكرا، اذ كان واحدا من السبعة الأوائل الذين سارعوا الى الاسلام، وأسھموا
في طليعته المباركة في دار الأرقم..
وكان عمره يومئذ خمس عشر سنة.. وھكذا رزق الھدى والنور والخير صبيا..
وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد حمل حظه من اضطھاد قريش وعذابھا.
وكان الذي تولى تعذيبع عمه.. كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزھق أنفاسه، ويناديه وھو
تحت وطأة العذاب:" أكفر برب محمد، أدرأ عنك العذاب".
فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ، غضّ العظام.. يجيب عمه في تحدّ رھب:
" لا..
ولله لا أعود لكفر أبدا"...
ويھاجر الزبير الى الحبشة، الھجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشھد المشاھد كلھا مع رسول لله. لا
تفتقده غزوة ولا معركة.
وما أكثر الطعنات التي تلقاھا جسده واحتفظ بھا بعد اندمال جراحاتھا، أوسمة تحكي بطولة الزبير
وأمجاده..!!
ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التي تزدحم على جسده، يحدثنا عنھا فيقول:
" صحبت الزبير بن العوّام في بعض أسفاره ورأيت جسده، فرأيته مجذّعا بالسيوف، وان في صدره
لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي.
فقلت له: ولله لقد شھدت بجسمك ما لم أره بأحد قط.
فقال لي: أم ولله ما منھا جراحة الا مع رسول لله وفي سبيل لله"..
وفي غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكةو ندبه الرسول ھو وأبو بكر لتعقب جيش
قريش ومطاردته حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا في الرجوع الى المدينة واستئناف القتال..
وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين، وعلى الرغم من أنھم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا فان
اللباقة الحربية التي استخدمھا الصديق والزبير، جعلت قريشا تظن أنھا أساءت تقدير خسائر المسلمين،
وجعلتھا تحسب أن ھذه الطليعة القوية التي أجاد الزبير مع الصديق ابراز قوتھا، وما ھي الا مقدمة
لجيش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رھيبة فأغذّت قريش سيرھا، وأسرعت خطاھا الى
مكة..!!
ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده.. فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسھم يتقھقرون أمام
جبال الروم الزاحفة، صاح ھو" لله أكبر".. واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربا بسيفه.. ثم قفل
راجعا وسط الصفوف الرھيبة ذاتھا، وسيف يتوھج في يمينه لا يكبو، ولا يحبو..!!
وكان رضي لله عنه شديد الولع بالشھادة، عظيم الغرام بالموت في سبيل لله.
وكان يقول:
" ان طلحة بن عبيد لله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد...
واني لأسمي بنيّ بأسماء الشھداء لعلھم يستشھدون".!
وھكذا سمى ولده، عبدلله بن الزبير تيمنا بالصحابي الشھيد عبدلله بن جحش.
وسمى ولده المنذر، تيمنا بالشھيد المنذر بن عمرو.
وسمى عروة تيمنا بالشھيد عروة بن عمرو.
وسمى حمزة تيمنا بالشھيد الجليل عم الرسول حمزة بن عبدالمطلب.
وسمّى جعفر، تيمنا بالشھيد الكبير جعفر بن أبي طالب.
وسمى مصعبا تيمنا بالشھيد مصعب بن عمير.
وسمى خالد تيمنا بالصحابي الشھيد خالد بن سعيد..
وھكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشھداء. راجيا أن يكونوا يوم تأتيھم آجالھم شھداء.
ولقد قيل في تاريخه:
" انه ما ولي امارة فط، ولا جباية، ولا خراجا ولا شيئا الا الغزو في سبيل لله".
وكانت ميزته كمقاتل، تتمثل في في اعتماده التام على نفسه، وفي ثقته التامة بھا.
فلو كان يشاركه في القتال مائة ألف، لرأيته يقاتل وحده في لمعركة.. وكأن مسؤولية القتال والنصر تقع
على كاھله وحده.
وكان فضيلته كمقاتل، تتمثل في الثبات، وقوة الأعصاب..
رأى مشھد خاله حمزة يوم أحد وقد كثّل المشركون بجثمانه القتيل في قسوة، فوقف أمامه كالطود
ضاغطا على أسنانه، وضاغطا على قبضة سيفه، لا يفكر الا في ثأر رھيب سرعان ما جاء الوحي ينھى
الرسول والمسلمين عن مجرّد التفكير فيه..!!
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى لله عليه وسلم مع علي ابن أبي
طالب، فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله:
" ولله لنذوقنّ ما ذاق حمزة، أو لنفتحنّ عليھم حصنھم"..
ثم ألقيا بنفسيھما وحيدين داخل الحصن..
وبقوة أعصاب مذھلة، أحكما انزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين..!!
ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم ھوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة.. أبصره بعد ھزيمتھم
في حنين واقفا وسط فيلق من أصحابه، وبقايا جيشه المنھزم، فاقتحم حشدھم وحده، وشتت شملھم
وحده، وأزاحھم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين، العائدين من المعركة..!!
**
ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما..
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباھي به ويقول:
" ان لكل نبي حواريا وحواريي الزبير ن العوّام"..
ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب، ولا زوج أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، بل كان ذلك الوفي القوي،
رب العالمين: 􀍿 والشجاع الأبيّ، والجوّاد السخيّ، والبائع نفسه وماله
ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال:
أقام على عھد النبي وھديه
حواريّه والقول بالفعل يعدل
أقام على منھاجه وطريقه
يوالي وليّ الحق، والحق أعدل
ھو الفارس المشھور والبطل الذي
يصول، اذا ما كان يوم محجّل
له من رسول لله قربى قريبة
ومن نصرة الاسلام مجد موثّل
فكم كربة ذبّ الزبير بسيفه
عن المصطفى، ولله يعطي ويجزل
**
وكان رفيع الخصال، عظيم الشمائل.. وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رھان..!!
فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، وكان ثراؤه عريضا، ولكنه أنفقه في الاسلام حتى مات مدينا..!!
وكان توكله على لله منطلق جوده، ومنطلق شجاعته وفدائيته..
حتى وھو يجود بروحه، ويوصي ولده عبدلله بقضاء ديونه قال له:
" اذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي"..
وسال عبدلله: أي مولى تعني..؟
فأجابه: لله، نعم المولى ونعم النصير"..
يقول عبدلله فيما بعد:
" فولله ما وقعت في كربة من دينه الا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه".
وفي يوم الجمل، على النحو الذي ذكرنا في حديثنا السالف عن حياة سيدنا طلحة كانت نھاية سيدنا
الزبير ومصيره..
فبعد أن رأى الحق نفض يديه من القتال، وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الاشتعال، وطعنه
القاتل الغادر وھو بين يدي ربه يصلي..
وذھب القاتل الى الامام علي يظن أنه يحمل اليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير، وحين يضع
بين يديه سيفه الذي استلبه منه، بعد اقتراف جريمته..
لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن، صاح آمرا بطرده قائلا:
" بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار"..
وحين أدخلوا عليه سيف الزبير، قبّله الامام وأمعن بالبكاء وھو يقول:
" سيف طالما ولله جلا به صاحبه الكرب عن رسول لله"..!!
أھناك تحيّة نوجھھا للزبير في ختام حديثنا عنه، أجمل وأجزل من كلمات الامام..؟؟
سلام على الزبير في مماته بعد محياه..
سلام، ثم سلام، على حواري رسول لله...

المصدر : كتاب رجال حول الرسول .

هناك تعليق واحد: