الأحد، 1 أبريل 2012

أول من أسلم من الرجال الأحرار

نسبه و نشأته :

إسمه عبد الله - ويقال عتيق بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي رضي الله عنه روى عنه خلق من الصحابة وقدماء التابعين ، من آخرهم : أنس بن مالك ، وطارق بن شهاب ، وقيس بن أبي حازم ، ومرة الطيب . قال ابن أبي مليكة وغيره ، إنما كان عتيق لقبا له . وعن عائشة ، قالت : اسمه الذي سماه أهله به " عبد الله " ولكن غلب عليه " عتيق " . وقال ابن معين : لقبه عتيق ؛ لأن وجهه كان جميلا ، وكذا قال الليث بن سعد . وقال غيره : كان أعلم قريش بأنسابها . وقيل : كان أبيض ، نحيفا ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، غائر العينين ، ناتئ الجبهة ، يخضب شيبه بالحناء والكتم . وكان أول من آمن من الرجال . وقال ابن الأعرابي : العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة : عتيق .  
وعن عائشة ، قالت : ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر . وعن الزهري ، قال : كان أبو بكر أبيض أصفر لطيفا جعدا مسترق الوركين ، لا يثبت إزاره على وركيه . وجاء أنه اتجر إلى بصرى غير مرة ، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر "
  

إسلامه : 

 بادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صديقه الحميم أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ليخبره بما أكرمه الله به من النبوة والرسالة، ويدعوه إلى الإيمان به، فآمن به دون تردد، وشهد شهادة الحق، فكان أول من آمن بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الرجال، إذ كان من أخص أصحابه قبل البعثة، عارفا به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبأخلاقه، وكان يعلم من صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمانته ما يمنعه من الكذب على الخلق، فكيف يكذب على الله؟!. ولذا بمجرد ما ذكر له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله أرسله رسولا، سارع إلى تصديقه والإيمان به، ولم يتردد..  
وقد روى ابن إسحاق عن بداية إسلام أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحصين التميمي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة و تردد و نظر، إلا أبا بكر ما عكم عنه حين دعوته، و لا تردد فيه ) ما عكم: ما تباطأ بل سارع ..
يقول ابن إسحاق : " .. كان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا، ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام، من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه ".
لقد كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ كنزاً من الكنوز، ادخره الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخُلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الذين يألفون ويؤلفون، والخُلق السمح وحده عنصر كاف لألفة القوم، وهو الذي قال فيه  الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر )( الترمذي ) .
ولما كان رصيده ـ رضي الله عنه ـ العلمي والاجتماعي في المجتمع المكي عظيماً، استجاب له في دعوته للإسلام صفوة من خيرة الخلق، من العشرة المبشرين بالجنة، منهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ..
وكان هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمرة من ثمار الصديق - رضي الله عنه -، دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا، وجاء بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فُرادَى، فأسلموا بين يديه، فكانوا الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم تتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجا .
إن تحرك أبي بكر - رضي الله عنه - في الدعوة إلى الله تعالى، يوضح صورة من صور الإيمان بهذا الدين والاستجابة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، صورة المؤمن الذي لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ما آمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة، سرعان ما تخمد وتذبل وتزول، فقد ظل نشاط أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وحماسه إلى دينه ودعوته حتى توفاه الله، ولم يفتر أو يضعف .
ومن الملاحظ والمشاهد في عالم الواقع، أن أصحاب الجاه لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة، ولهذا كان أثر أبي بكر - رضي الله عنه - في الإسلام أكثر من غيره .. فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبي بكر . فبكى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله ) ( ابن ماجة ) .
وبعد أن كانت صحبة الصديق ـ رضي الله عنه ـ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبنية على مجرد الاستئناس والتوافق النفسي والخُلُقي، صارت الصحبة بالإيمان بالله، وبالمؤازرة في الشدائد، واتخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ صاحبا له طوال حياته .. وقد لقب ـ رضي الله عنه ـ في القرآن الكريم بالصاحب، قال تعالى: { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبِه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم } (التوبة الآية:40)، وقد أجمعت الأمة على أن الصاحب المقصود هنا هو أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ .
ولقب كذلك ـ رضي الله عنه ـ بالصديق، لكثرة تصديقه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وفي هذا تروي أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ فتقول: ( لما أسري بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال إلى أبي بكر ، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟، يزعم أن أُسْرِي به الليلة إلى بيت المقدس، قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق . قالوا: أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!، قال نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق ) ( الحاكم ) .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صعد أُحُداً، و أبو بكر وعمر وعثمان ، فوجف بهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اثبت أحد، ما عليك إلا نبي، وصديق، وشهيدان ) ( أحمد ). والشهيدان: عمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ، والصديق: أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ..
لقد شرف الله أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ بصحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وملازمته والقرب منه حيا وميتا، فقد دفن ـ رضي الله عنه ـ بجوار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن ثم فلا يجتمع في قلب عبد حب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبغض أبى بكر ، وتعظيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والحط من منزلة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ..
وبعد إسلام أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ مضت الدعوة إلى الله في مهدها الأول، سرية وفردية، وقائمة على الاصطفاء والاختيار للعناصر التي تصلح أن تتكون منها الجماعة المؤمنة، التي ستسعى لإقامة دولة الإسلام، ودعوة الناس إلى دين الله، والتي ستقوم حضارة ربانية لا مثيل لها على أيديهم، وكان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من أعمدة هذه الدعوة ..


أبو بكر الصديق وإنكار الذات


أبوبكر الصديق قدم أروع الأمثلة الإسلامية على صفة إنكار الذات؛ فقد أنكر رضي اللهعنه ذاته في حق الله عز وجل، فلا يأمره الله بشيء ولا ينهى عن شيء إلا امتثل،واستجاب مهما كانت التضحيات, وكذلك أنكر ذاته في حق رسولالله ومع المؤمنين, ومواقفه في إنكار ذاته مع الرسول لا تحصى، فكيف كان إنفاق الصديقفي سبيل الله؟
كان الصديق t من أروع الأمثلة الإسلامية على صفة إنكار الذات؛ أنكر الصديق رضي الله عنه ذاته في حق الله عز و جل ، فلا يأمره الله بشيء ولا ينهى عن شيء إلا امتثل، واستجاب مهماكانت التضحيات..
الصديقأنكر ذاته في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ومواقفه في إنكار ذاته مع الرسول لا تحصى، فهو لم يكن يرى نفسهمطلقًا بجوار رسول الله  صلى الله عليه و سلم .. والصديق قد أنكر ذاته مع المؤمنين، حتى من أخطأ في حقه منهم، بلحتى من تجاوز خطؤه الحدود المألوفة المعروفة بين الناس.
إنكـارالذات معناه: أن الإنسان لا يرى نفسه مطلقًا، ليس لنفسه حـظٌّ في حياته، وإن كانحلالاً، وإن كان مقبولاً في عرف الناس، وفي الشرع، لكنه دائمًا يؤخر نفسه، ويقدمغيره.
إنكارالذات معناه: أن تتخلص النفس من حظ النفس، فلا تهتم بثنـاءٍ، ولا مدح، ولا تنتظرأن يشار إليها في قول أو فعل.
إنكارالذات معناه: أن تؤخر حاجات النفس الضرورية، وتقدم حاجات الآخـرين، حتى وإن لمتربطك بهم صلات، أو علاقات رحم، أو مصلحة، أو مـال.
إنكـارالذات هو أعلى درجات السمو في النفس البشرية، تقترب فيه النفس من الملائكة، بللعلها تفوق الملائكة، لأن الملائكة جبلت على الطـاعة، أما الإنسان فهو مخير بينالخير، والشر.
ولعلأكثر مثل يوضح لنا إنكار الذات نجده في الأم، في تعاملها مع أولادها، وليس معنىإنكار الذات، أن الإنسان لا قيمة له، بل على العكس، فالمنكرون لذواتهم هم أعلىالناس قيمةً، وأرفعهم قدرًا، لكنهم لا ينتظرون من الناس مقابلاً لذلك.
الأممثلاً لا ترى نفسها أمام أولادها، قد تتعب، قد تـسـهر، قد تنفق، قد تـسـاعد، تفعلأي شيء، أي شيء، وهي سعيدة بذلك؛ لأنها أسعدت أولادها، ولا ترى ما أصابها من تعبأو سهر أو مرض، هذه هي الأم.
بيدأن إنكار الذات عند المؤمن أعلى من ذلك، أعلى من ارتباط الأم بوليدها، لمـاذا؟
ذلكلأن الأم ترتبط بوليدها برابطة فطرية، طبيعية، كما أنها لا تنكر ذاتها إلا معأطفالها، فقد لا تفعل ذلك مع جيرانها، أو معارفها، أو أقاربها، أو حتى مع زوجها،أمـا المؤمن الذي يفعل ذلك، فإنه ينكر ذاته في حياته كلها، مع القريب والبعيد، معالأهل، وغيرهم، مع الأصحاب، وغير الأصحاب، بل قد يفعل ذلك مع من أخـطـأ في حقهوآذاه، صفة عجيبة حقًّا، صعبة، عالية جدًّا، في أعلى درجات سلم الإيمـان.

أين حظ النفس عند الصديق؟

ولقدكان الصديق رضي الله عنه   من أروع الأمثلة الإسلامية على صفة إنكار الذات، أنكر الصديق رضي الله عنه ذاته في حق الله عز و جل ، فلا يأمره الله بشيء، ولا ينهى عن شيء، إلا امتثل، واستجاب، مهماكانت التضحيات، الصديق أنكر ذاته في حق رسول الله r، ومواقفه في إنكار ذاته مع الرسول لا تحصى، فهو لم يكن يرى نفسهمطلقًا بجوار رسول الله صلى الله عليه و سلم ، والصديق قد أنكر ذاته مع المؤمنين، حتى من أخطأ في حقه منهم، بلحتى من تجاوز خطؤه الحدود المألوفة، المعروفة بين الناس
ابحثفي حياة الصديق، ونَقّب، أين حظ النفس عند الصديق؟
لاتجد، أين إشباع الرغبات الطبيعية عند البشر من حبٍّ للمال، وحبٍّ للجاه، والسلطان،وحب للسعادة، وحب الظهور، بل حب الحـيـاة؟
أينذلك عند الصديق؟
لنتجده أبدًا، مثال عجيب من البشر، وآية من آيات الرحمن في خلقه،
ولعلنانكتفي هنا بالمرور السريع على مثال من إنكار الصديق لذاته، ولعلنا نتوقف عندالمـال مثلاً.
أينحظ الصديق من ماله؟
جبل الصديق رضي الله عنه على حب العطاء، حتى لتشعر وأنت تقرأ سيرته أنه يستمتع بالعطاءويبحث عنه، وهذا شيء عجيب، فالإنسان بصفة عامة جبل على حب المال حبًّا شديدًا، قالعز و جل : {وَتُحِبُّونَ المَالَحُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20].
وقال:{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَرَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُقَتُورًا} [الإسراء: 100].
أيشديد البخل وشديد المنع، الصديق لم يكن كذلك، وسبحان الذي سَوّاه على هذه الصورة،فالصديق كان يحب الإنفاق حتى في الجاهلية قبل أن يسلم. عمله في ضمان الديات: كان رضي الله عنه قبل إسلامه مسئولاً عن ضمان الديات والمغارم في مكة، فإذا سأل قريشًا ضمانًاقبلوه، وإذا سألهم غيره خذلوه، وهذا عمل خطير، فقد يتحمل الصديق دية رجل، ثم لايوفي أهله، فيكون على الصديق قضاؤها، أي أنه عمل فيه خسارة، ويحتاج إلى كثير منالمال، وإلى نفس راغبة في قضاء حوائج الناس، وتحمل مغارمهم، إذا كان هذا هو الصديققبل إسلامه، فما بالكم بعد أن أسلم؟
مابالكم كيف يكون حاله إذا سمع من رسول الله r حديثًا قدسيًّا ينقله عن رب العزة U يقول فيه الله تعالى: "انْفِقْيَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ؟".
وذلككما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة t، بل كيف يكون حاله وقد سمع رسول الله r يقسم أن مال العبد لا ينقص من الصدقة؟ الصديق لا يحتاج إلى قسمالرسول صلى الله عليه و سلم ليصدقه، الصديق t كان واضعًا نصب عينيه حقيقة ما اختفت لحظة عن بصره وعقله وقلبه،تلك الحقيقة هي:
إنكان قال فقد صدق.
هكذا،مجرد القول يعني عنده التصديق الكامل الذي لا شك فيه، فما بالكم إذا سمعه  صلى الله عليه و سلم  يقسم؟

الصديق ينفق ماله كله في سبيل الله :

هذهالطبيعة الفطرية، وهذا اليقين في كلام رسول الله r يفسر لنا كثيرًا من مواقف الصديق t، فالصديق رضي الله عنه شاهد مع بدايات الدعوة في أرض مكة، التعذيب الشديد والتنكيلالأليم بكل من آمن من العبيد، والعبيد في ذلك الزمان يباعون ويشترون، وليس لهمأدنى حق من الحقوق، تألمت نفس الصديق الرقيقة لهذه الوحشية المفرطة من الكفار مكة،وسارع بماله ينقذ هذا، ويفدي ذاك، يشتري العبد، ثم يعتقه لوجه الله، هكذا {لاَنُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا} [الإنسان :9].
مررضي الله عنه ببلالٍ رضي الله عنه ، وهو يعذب على صخور مكة الملتهبة، وعلى صدره الأحجار العظيمة،فساوم عليه سيده أمية بن خلف عليه لعنة الله، وعرض عليه أن يشتريه، أو يبادله بعبدآخر أجلد منه، وأقوى، وليس بمسلم، وفي رواية أنه اشتراه بسبع أوقيات من الذهب،ودار حوار رائع بين الصديق رضي الله عنه ، وبين أمية بن خلف عليه لعنة الله، قال أمية يريد أن يبث الحسرةفي قلب الصديق: لو عرضت عليَّ أوقية واحدة من الذهب لبعته لك. قال الصديق العظيم رضي الله عنه في هدوء: لو طلبت مائة أوقية من الذهب لأشتريه.
سبحانالله، فارتدت الحسرة في قلب أمية بن خلف، أمية بن خلف المشرك لا يدرك قيمة بلال،بعد أن أسلم، لكن الصديق رضي الله عنه يدرك ذلك، فهذا العبد الأسود القليل في نظر المشركين، وأهلالدنيا، هذا العبد ذاته ثقيل في ميزان الله U، بما يحمل في قلبه من إيمان وتوحيد وإسلام، هذه المعاني الرقيقةالسامية لا يفهمها أهل المادة، لكن يفهمها الصديق بعمق ويتعامل على أساسها.
اشترىالصديق رضي الله عنه أم عبيس رضي الله عنها وأعتقها، واشترى زنيرة رضي الله عنهاوأعتقها، واشترى النهدية وابنتها رضي الله عنهما وأعتقهما، ولهما قصة لطيفة رواهاابن إسحاق في سيرته، كانت النهدية وابنتها ملكًا لامرأة من بني عبد الدار، مر بهماالصديق  رضي الله عنه ، وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول: والله لا أعتقكماأبدًا. قال أبو بكر الصديق  رضي الله عنه : حلّ يا أم فلان. أي تحللي من يمينك، فقالت: حل أنت، أفسدتهافأعتقهما. قال: فبكم هما؟ قالت بكذا وكذا، قال الصديق t: قد أخذتهما، وهما حرتان، ارجعا إليها طحينها.
هنانجد ردًّا لطيفًا عجيبًا من الجارتين المسلمتين اللتين تخلقتا بخلق الإسلام الرفيعقالتا: أو نفرغ منه يا أبا بكر، ثم نرده إليها؟
سبحانالله، بعد النجاة من هذا الظلم الشديد، والسخرة المهينة ما زالتا تحرصان على مالسيدتهما، قال الصديق  رضي الله عنه : ذلك إن شئتما.
ومرالصديق  رضي الله عنه بجارية بني مؤمل (حي من بني عدي) وكانت مسلمة، وكان عمر بن الخطابرضي الله آنذاك مشركًا، وكان شديد الغلظة على المسلمين، وكان يضربها ضربًا مؤلمًالساعات طوال، ثم يتركها ويقول: إني لم أتركك إلا عن ملالة. مر بها الصديق  رضي الله عنه ،فابتاعها ثم أعتقها لوجه الله.
ودعاالصديق  رضي الله عنه غلامه عامر بن فهيرة إلى الإسلام، فلما أسلم أعتقه أيضًا لوجهالله.
وكمارأينا فإن الصديق  رضي الله عنه لم يكن يفرق بين عبد وأمة، أو قوي وضعيف، هذا الأمر لفت نظر أبيهأبي قحافة فقال له: يا بني إني أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالاًجلدًا، يمنعونك، ويقومون دونك؟ ولا ننسى أن الصديق t من بطن ضعيف من بطون قريش، فقال الصديق t في إيمان عميق: يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله عز و جل.
فأنزلالله في حقه قرآن كريمًا، قال عز و جل : {وَسَيُجَنَّبُهَاالأَتْقَى * الَّذِييُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى *وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِالأَعْلَى *وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل17: 21].
قالابن الجوزي: أجمع العلماء أنها نزلت في أبي بكر الصديق t.
وتخيلمعي أن الله عز و جل  ينزل قرآنًا يشهد فيه للصديق بالتقوى، بل بأنه الأتقى، ويشهد لهبإخلاص النية، فهو يريد أن يتزكى، ولا يريد جزاء من أحد، وإنما يريد وجه الله فقط،ثم انظر الوعد الرباني الجليل العظيم، ولسوف يرضى، ومهما تخيلت من ثواب وجزاءونعيم، فلا يمكن أن تتخيل ما أعده الله U لمن وعد بإرضائه {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 21].
روىأبو داود في سننه عن أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله r: "أَمَا إِنَّكَ يَاأَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي".
الصديق رضي الله عنه كان يملك عند إسلامه أربعين ألف درهم، أنفقها جميعًا في سبيل الله عز و جل ، أنفق منها خمسة وثلاثين ألف درهم في مكة، حتى لم يبق إلا خمسةآلاف درهم، أخذها معه في الهجرة أنفقها على رسول الله وعلى المؤمنين، حتى فنيماله، أو قل: بقي ماله. وليس: فني ماله. فالذي يبقى هو الذي يُنفق في سبيل الله،والذي يفنى هو الذي يُمْسك في يد العبد، ولكن تخيل قدر هذا الإنفاق لا بد أن نعرفقيمة هذه الأربعين ألف درهم في زماننا، لا تنسى أننا نتحدث عن زمن مر عليه أكثر منألف وأربعمائة عام، إذا كانت قيمة الجنيه المصري مثلاً قد تغيرت كثيرًا في غضونعشرة أو عشرين أو ثلاثين سنة، فما بالك بألف وأربعمائة من السنين تعالوا نقومبحسبة لطيفة، ورد في بعض الأحاديث عن رسول الله r أنه اشترى شاة بدرهم، إذن الصديق t كان يملك ما يساوي أربعين ألف شاة، ونحن اليوم نشتري الشاة بمتوسط800 جنيه مصري مثلاً، إذن الصديق t كان يملك ما يساوي 32 مليونًا من الجنيهات المصرية، يعني أكثر من6 مليون دولار، وطبعًا كان الدرهم له قيمته، ولم يكن هناك تضخم، ولا أزمةاقتصادية، ولا تعويم للدرهم.
سبحانالله أنفق كل هذه الثروة الطائلة في سبيل الله، وفوق ذلك كان تاجرًا لم يتوقف عنتجارته، فهناك إنفاق فوق كل هذه الأموال المدخرة، وفوق ذلك هناك إنفاقه في المدينةالمنورة من تجارته هناك، فقد أنفق كل أمواله في فترة مكة كما ذكرنا، لكن عاودالكسب من جديد، فمثلاً أنفق في تبوك أربعة آلاف درهم (حوالي مليون ونصف جنيه مصري)كانت هي كل ما يملك من مال، ولم يترك لأهله إلا كما قال: تركت لهم الله ورسوله.
هذاالإنفاق العجيب، والنفس المعطاءة هو الذي دفع رسول الله r أن يقول فيما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة وأرضاه: "مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَانَفَعَنَي مَالُ أَبِي بَكْرٍ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ:هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهَ.
وفيرواية الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: "مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَايَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَأْنَاهُ، مَا خَلا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَايَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالٌقَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ".

المصدر : من فقرة ابوبكر الصديق و انكار الذات ( موقع قصة الإسلام )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق